مكتشف مصل شلل الأطفال

مكتشف مصل شلل الأطفال وتأثيره في مكافحة المرض

يُعتبر مصل شلل الأطفال من أهم الإنجازات الطبية في القرن العشرين، حيث ساهم بشكل جوهري في الحد من انتشار هذا المرض الخطير الذي كان يُسبب شللًا دائمًا وموتًا في كثير من الحالات. اكتشاف هذا المصل لم يكن وليد صدفة، بل نتاج جهد علمي مكثف عمل عليه عدد من العلماء، ولكن الشخصية الأبرز والأكثر تأثيرًا في هذا المجال هو الدكتور جوناس سالك (Jonas Salk).

خلفية عن مرض شلل الأطفال

شلل الأطفال هو مرض فيروسي معدٍ، يسببه فيروس يسمى “فيروس شلل الأطفال” أو Poliovirus، ينتقل بشكل رئيسي عن طريق الفم، وغالبًا ما يصيب الأطفال تحت سن الخامسة. كان المرض يُعتبر من أخطر الأمراض المعدية التي تصيب الأطفال، إذ يهاجم الجهاز العصبي المركزي مسببًا شللًا دائمًا قد يمتد إلى عضلات التنفس، مما يؤدي إلى الوفاة في الكثير من الحالات. في أوائل القرن العشرين، شهد العالم موجات متكررة من تفشي هذا المرض، خصوصًا في الولايات المتحدة وأوروبا، مما دفع العلماء إلى البحث عن علاج ووقاية فعالة.

بداية البحث عن لقاح شلل الأطفال

في بداية القرن العشرين، شهدت البحوث الطبية تقدمًا ملحوظًا في فهم الفيروسات والطرق التي تنتقل بها الأمراض. في عام 1908، تمكن عالم الفيروسات الألماني كارل لاندشتاينر من اكتشاف فيروس شلل الأطفال، الأمر الذي شكل نقطة انطلاق للبحث في تطوير لقاح ضده. لكن تطوير لقاح فعال استغرق عقودًا من البحث والتجارب.

جوناس سالك: اكتشاف المصل

في خمسينيات القرن العشرين، جاء العالم الأمريكي جوناس سالك ليحدث ثورة في مجال مكافحة شلل الأطفال. درس سالك في جامعة نيويورك وتخصص في علم الفيروسات، وكان شغوفًا بإيجاد علاج لهذا المرض المدمر.

اعتمد سالك في أبحاثه على تقنية اللقاحات المعطلة، حيث استخدم فيروس شلل الأطفال المعطل بالكيمياء بحيث لا يفقد قدرته على تحفيز الجهاز المناعي لمقاومة المرض. أجرى سالك سلسلة من التجارب المعملية على الفيروس المعطل، ثم بدأ بالاختبارات على الحيوانات، وبعد نجاح هذه التجارب انتقل إلى التجارب السريرية على البشر.

كانت التجربة السريرية الكبرى عام 1954 واحدة من أكبر التجارب الطبية في التاريخ، شارك فيها أكثر من مليون طفل أمريكي. أظهرت النتائج فعالية المصل في تحصين الأطفال ضد فيروس شلل الأطفال بنسبة عالية، مما أدى إلى اعتماده رسميًا كوسيلة وقائية.

تأثير اكتشاف مصل سالك

بعد اعتماد المصل، بدأت حملات تطعيم واسعة النطاق في الولايات المتحدة والعالم، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في عدد حالات الإصابة بشلل الأطفال. ساهم المصل في إنقاذ ملايين الأطفال من شلل دائم وموت محتمل. أصبحت الولايات المتحدة ومن بعدها دول كثيرة تشهد انخفاضًا كبيرًا في انتشار المرض، مما جعله مرضًا قابلاً للسيطرة والوقاية.

اللقاح الحي لشلل الأطفال: ألبرت سابين

بالإضافة إلى لقاح سالك المعطل، جاء العالم الروسي الأمريكي ألبرت سابين ليطور لقاحًا حيًا ضعيفًا يعتمد على فيروس شلل الأطفال الحي ولكن ضعيف الفوعة. هذا اللقاح قدم بدوره فوائد إضافية من حيث سهولة تناوله عبر الفم، وقدرته على تحفيز مناعة القناة الهضمية، وهو ما يساعد على تقليل انتشار الفيروس بين الناس. لقاح سابين تم اعتماده على نطاق واسع أيضًا بعد نجاح لقاح سالك، وأصبح كلا اللقاحين معتمدين في برامج القضاء على شلل الأطفال.

الفرق بين لقاح سالك ولقاح سابين

الأثر العالمي لاكتشاف مصل شلل الأطفال

منذ خمسينيات القرن العشرين، شهد العالم جهودًا مكثفة للقضاء على مرض شلل الأطفال. منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع مؤسسات دولية وحكومات الدول، أطلقت حملات تطعيم ضخمة نجحت في القضاء على المرض تقريبًا في معظم أنحاء العالم، مع بقاء بؤر معدودة في بعض المناطق التي تواجه تحديات لوجستية وأمنية.

يُعد اكتشاف لقاح شلل الأطفال واحدًا من أعظم الإنجازات الطبية التي تمثلت في إنقاذ حياة ملايين الأطفال وتحسين جودة الحياة في المجتمعات المختلفة. مكن هذا اللقاح الدول من تقليل العبء الاقتصادي والاجتماعي للمرض، وفتح الباب أمام استراتيجيات مماثلة لمكافحة أمراض فيروسية أخرى.

الخاتمة

ساهم اكتشاف مصل شلل الأطفال، الذي يقف خلفه بشكل رئيسي الدكتور جوناس سالك، في إحداث نقلة نوعية في مجال الطب الوقائي وعلم الأوبئة. بفضل هذا الإنجاز العلمي، تحول مرض كان يهدد حياة الأطفال ويشلّ جسدهم إلى مرض يمكن الوقاية منه تمامًا. الجمع بين لقاح سالك الميت ولقاح سابين الحي أدى إلى تحسن كبير في برامج التطعيم حول العالم، وأصبح القضاء على شلل الأطفال هدفًا قابلاً للتحقيق بفضل العلم والإرادة البشرية.

المصادر والمراجع

• Paul, John R. A History of Poliomyelitis. Yale University Press, 1971.

• Centers for Disease Control and Prevention (CDC), “History of Polio Vaccines,” CDC.gov.